الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
قال: وأي الزوجين وجد بصاحبه جنونا, أو جذاما أو برصا أو كانت المرأة رتقاء, أو قرناء أو عفلاء أو فتقاء, أو الرجل مجنونا فلمن وجد ذلك منهما بصاحبه الخيار في فسخ النكاح الكلام في هذه المسألة في فصول أربعة: أن خيار الفسخ يثبت لكل واحد من الزوجين لعيب يجده في صاحبه في الجملة روى ذلك عن عمر بن الخطاب وابنه, وابن عباس وبه قال جابر بن زيد والشافعي وإسحاق وروي عن على: لا ترد الحرة بعيب وبه قال النخعي, والثوري وأصحاب الرأي وعن ابن مسعود: لا ينفسخ النكاح بعيب وبه قال أبو حنيفة وأصحابه إلا أن يكون الرجل مجبوبا أو عنينا, فإن للمرأة الخيار فإن اختارت الفراق فرق الحاكم بينهما بطلقة, ولا يكون فسخا لأن وجود العيب لا يقتضي فسخ النكاح كالعمى والزمانة وسائر العيوب ولنا أن المختلف فيه عيب يمنع الوطء فأثبت الخيار, كالجب والعنة ولأن المرأة أحد العوضين في عقد النكاح فجاز ردها بالعيب, كالصداق أو أحد العوضين في عقد النكاح فجاز رده بالعيب, أو أحد الزوجين فثبت له الخيار بالعيب في الآخر كالمرأة وأما غير هذه العيوب فلا يمنع المقصود بعقد النكاح, وهو الوطء بخلاف العيوب المختلف فيها فإن قيل: فالجنون والجذام والبرص لا يمنع الوطء قلنا: بل يمنعه فإن ذلك يوجب نفرة تمنع قربانه بالكلية ومسه ويخاف منه التعدي إلى نفسه ونسله, والمجنون يخاف منه الجناية فصار كالمانع الحسى. في عدد العيوب المجوزة للفسخ وهي فيما ذكر الخرقي ثمانية: ثلاثة يشترك فيها الزوجان وهي: الجنون, والجذام والبرص واثنان يختصان الرجل وهما الجب والعنة وثلاثة تختص بالمرأة وهي الفتق, والقرن والعفل وقال القاضي: هي سبعة جعل القرن والعفل شيئا واحدا وهو الرتق أيضا, وذلك لحم ينبت في الفرج وحكي ذلك عن أهل الأدب وحكي نحوه عن أبي بكر وذكره أصحاب الشافعي وقال الشافعي: القرن عظم في الفرج يمنع الوطء وقال غيره: لا يكون في الفرج عظم, إنما هو لحم ينبت فيه وحكي عن أبي حفص أن العفل كالرغوة في الفرج يمنع لذة الوطء فعلى هذا يكون عيبا ناميا وقال أبو الخطاب: الرتق أن يكون الفرج مسدودا يعني أن يكون ملتصقا لا يدخل الذكر فيه والقرن والعفل لحم ينبت في الفرج فيسده, فهما في معنى الرتق إلا أنهما نوع آخر وأما الفتق فهو انخراق ما بين مجرى البول ومجرى المني وقيل: ما بين القبل والدبر وذكرها أصحاب الشافعي سبعة أسقطوا منها الفتق, ومنهم من جعلها ستة جعل القرن والعفل شيئا واحدا وإنما اختص الفسخ بهذه العيوب لأنها تمنع الاستمتاع المقصود بالنكاح فإن الجذام والبرص يثيران نفرة في النفس تمنع قربانه, ويخشى تعديه إلى النفس والنسل فيمنع الاستمتاع والجنون يثير نفرة ويخشى ضرره, والجب والرتق يتعذر معه الوطء والفتق يمنع لذة الوطء وفائدته وكذلك العفل, على قول من فسره بالرغوة فإن اختلفا في وجود العيب مثل أن يكون بجسده بياض يمكن أن يكون بهقا أو مرارا واختلفا في كونه برصا, أو كانت به علامات الجذام من ذهاب شعر الحاجبين فاختلفا في كونه جذاما, فإن كانت للمدعى بينة من أهل الخبرة والثقة يشهدان له بما قال ثبت قوله, وإلا حلف المنكر والقول قوله لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (( ولكن اليمين على المدعى عليه )) وإن اختلفا في عيوب النساء أريت النساء الثقات, ويقبل فيه قول امرأة واحدة فإن شهدت بما قال الزوج وإلا فالقول قول المرأة وأما الجنون, فإنه يثبت الخيار سواء كان مطبقا أو كان يجن في الأحيان لأن النفس لا تسكن إلى من هذه حاله إلا أن يكون مريضا يغمى عليه, ثم يزول فذلك مرض لا يثبت به خيار فإن زال المرض ودام به الإغماء, فهو كالجنون يثبت به الخيار وأما الجب, فهو أن يكون جميع ذكره مقطوعا أو لم يبق منه إلا ما لا يمكن الجماع به فإن بقي منه ما يمكن الجماع به, ويغيب منه في الفرج قدر الحشفة فلا خيار لها لأن الوطء يمكن وإن اختلفا في ذلك فالقول قول المرأة لأنه يضعف بالقطع, والأصل عدم الوطء ويحتمل أن القول قوله كما لو ادعى الوطء في العنة ولأن له ما يمكن الجماع بمثله, فأشبه من له ذكر قصير أنه لا يثبت الخيار لغير ما ذكرناه لأنه لا يمنع من الاستمتاع المعقود عليه ولا يخشى تعديه فلم يفسخ به النكاح, كالعمى والعرج ولأن الفسخ إنما يثبت بنص أو إجماع أو قياس ولا نص في غير هذه ولا إجماع, ولا يصح قياسها على هذه العيوب لما بينهما من الفرق وقال أبو بكر وأبو حفص: إذا كان أحدهما لا يستمسك بوله ولا خلاءه فللآخر الخيار قال أبو الخطاب: ويتخرج على ذلك من به الباسور والناصور والقروح السيالة في الفرج, لأنها تثير نفرة وتتعدى نجاستها وتسمى من لا تحبس نجوها الشريم, ومن لا تحبس بولها المشولة ومثلها من الرجال الأفين قال أبو حفص: والخصاء عيب يرد به وهو أحد قولي الشافعي لأن فيه نقصا وعارا ويمنع الوطء أو يضعفه وقد روى أبو عبيد, بإسناده عن سليمان بن يسار أن ابن سندر تزوج امرأة وهو خصى فقال له عمر: أعلمتها؟ قال: لا قال: أعلمها, ثم خيرها وفي البخر وكون أحد الزوجين خنثى وجهان أحدهما, يثبت الخيار لأن فيه نفرة ونقصا وعارا والبخر: نتن الفم وقال ابن حامد: هو نتن في الفرج يثور عند الوطء وهذا إن أراد به أنه يسمى أيضا بخرا ويثبت الخيار, وإلا فلا معنى له فإن نتن الفم يسمى بخرا ويمنع مقاربة صاحبه إلا على كره وما عدا هذه فلا يثبت الخيار, وجها واحدا كالقرع والعمى, والعرج وقطع اليدين والرجلين لأنه لا يمنع الاستمتاع ولا يخشى تعديه ولا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافا, إلا أن الحسن قال: إذا وجد الآخر عقيما يخير وأحب أحمد أن يتبين أمره وقال: عسى امرأته تريد الولد وهذا في ابتداء النكاح فأما الفسخ فلا يثبت به, ولو ثبت بذلك لثبت في الآيسة ولأن ذلك لا يعلم فإن رجالا لا يولد لأحدهم وهو شاب, ثم يولد له وهو شيخ ولا يتحقق ذلك منهما وأما سائر العيوب فلا يثبت بها فسخ عندهم والله أعلم. أنه إذا أصاب أحدهما بالآخر عيبا وبه عيب من غير جنسه, كالأبرص يجد المرأة مجنونة أو مجذومة فلكل واحد منهما الخيار لوجود سببه إلا أن يجد المجبوب المرأة رتقاء, فلا ينبغي أن يثبت لهما خيار لأن عيبه ليس هو المانع لصاحبه من الاستمتاع وإنما امتنع لعيب نفسه وإن وجد أحدهما بصاحبه عيبا به مثله ففيه وجهان: أحدهما, لا خيار لهما لأنهما متساويان ولا مزية لأحدهما على صاحبه فأشبها الصحيحين والثاني, له الخيار لوجود سببه فأشبه ما لو غر عبد بأمة. وإن حدث العيب بأحدهما بعد العقد ففيه وجهان أحدهما, يثبت الخيار وهو ظاهر قول الخرقي لأنه قال: فإن جب قبل الدخول فلها الخيار في وقتها لأنه عيب في النكاح يثبت الخيار مقارنا فأثبته طارئا, كالإعسار وكالرق فإنه يثبت الخيار إذا قارن مثل أن تغر الأمة من عبد, ويثبته إذا طرأت الحرية مثل إن عتقت الأمة تحت العبد ولأنه عقد على منفعة, فحدوث العيب بها يثبت الخيار كالإجارة والثاني لا يثبت الخيار وهو قول أبي بكر وابن حامد ومذهب مالك لأنه عيب حدث بالمعقود عليه بعد لزوم العقد, أشبه الحادث بالمبيع وهذا ينتقض بالعيب الحادث في الإجارة وقال أصحاب الشافعي: إن حدث بالزوج أثبت الخيار وإن حدث بالمرأة, فكذلك في أحد الوجهين والآخر, لا يثبته لأن الرجل يمكنه طلاقها بخلاف المرأة ولنا أنهما تساويا فيما إذا كان العيب سابقا, فتساويا فيه لاحقا كالمتبايعين. ومن شرط ثبوت الخيار بهذه العيوب أن لا يكون عالما بها وقت العقد, ولا يرضى بها بعده فإن علم بها في العقد أو بعده فرضي, فلا خيار له لا نعلم فيه خلافا لأنه رضي به فأشبه مشترى المعيب وإن ظن العيب يسيرا فبان كثيرا كمن ظن أن البرص في قليل من جسده, فبان في كثير منه فلا خيار له أيضا لأنه من جنس ما رضي به وإن رضي بعيب, فبان به غيره فله الخيار لأنه وجد به عيبا لم يرض به ولا بجنسه, فثبت له الخيار كالمبيع إذا رضي بعيب فيه فوجد به غيره وإن رضي بعيب, فزاد بعد العقد كأن به قليل من البرص فانبسط في جلده, فلا خيار له لأن رضاه به رضي بما يحدث منه. وخيار العيب ثابت على التراخى لا يسقط ما لم يوجد منه ما يدل على الرضى به, من القول أو الاستمتاع من الزوج أو التمكين من المرأة هذا ظاهر كلام الخرقي لقوله: فإن علمت أنه عنين, فسكتت عن المطالبة ثم طالبت بعد فلها ذلك, وذكر القاضي أنه على الفور وهو مذهب الشافعي فمتى أخر الفسخ مع العلم والإمكان بطل خياره لأنه خيار الرد بالعيب فكان على الفور كالذي في البيع ولنا, أنه خيار لدفع ضرر متحقق فكان على التراخى كخيار القصاص, وخيار العيب في المبيع يمنعه ثم الفرق بينهما أن ضرره في المبيع غير متحقق لأنه قد يكون المقصود ماليته أو خدمته ويحصل ذلك مع عيبه وهاهنا المقصود الاستمتاع, ويفوت ذلك بعيبه وأما خيار المجبرة والشفعة والمجلس فهو لدفع ضرر غير متحقق ويحتاج الفسخ إلى حكم حاكم لأنه مجتهد فيه فهو كفسخ العنة, والفسخ للإعسار بالنفقة ويخالف خيار المعتقة فإنه متفق عليه. قال: وإذا فسخ قبل المسيس فلا مهر وإن كان بعده, وادعى أنه ما علم حلف وكان له أن يفسخ, وعليه المهر يرجع به على من غره الكلام في هذه المسألة في فصول أربعة: أن الفسخ إذا وجد قبل الدخول فلا مهر لها عليه, سواء كان من الزوج أو المرأة وهذا قول الشافعي لأن الفسخ إن كان منها فالفرقة من جهتها فسقط مهرها, كما لو فسخته برضاع زوجة له أخرى وإن كان منه فإنما فسخ لعيب بها دلسته بالإخفاء, فصار الفسخ كأنه منها فإن قيل: فهلا جعلتم فسخها لعيبه كأنه منه لحصوله بتدليسه؟ قلنا: العوض من الزوج في مقابلة منافعها فإذا اختارت فسخ العقد مع سلامة ما عقدت عليه, رجع العوض إلى العاقد معها وليس من جهتها عوض في مقابلة منافع الزوج وإنما ثبت لها الخيار لأجل ضرر يلحقها, لا لتعذر ما استحقت عليه في مقابلته عوضا فافترقا. أن الفسخ إذا كان بعد الدخول فلها المهر لأن المهر يجب بالعقد, ويستقر بالدخول فلا يسقط بحادث بعده ولذلك لا يسقط بردتها, ولا بفسخ من جهتها ويجب المهر المسمى وذكر القاضي في " المجرد " فيه روايتين إحداهما, يجب المسمى والأخرى مهر المثل بناء على الروايتين في العقد الفاسد وقال الشافعي: الواجب مهر المثل لأن الفسخ استند إلى العقد, فصار كالعقد الفاسد ولنا أنها فرقة بعد الدخول في نكاح صحيح فيه مسمى صحيح فوجب المسمى, كغير المعيبة وكالمعتقة تحت عبد والدليل على أن النكاح صحيح أنه وجد بشروطه وأركانه, فكان صحيحا كما لو لم يفسخه ولأنه لو لم يفسخه لكان صحيحا, فكذلك إذا فسخه كنكاح الأمة إذا عتقت تحت عبد ولأنه تترتب عليه أحكام الصحة من ثبوت الإحصان والإباحة للزوج الأول, وسائر أحكام الصحيح ولأنه لو كان فاسدا لما جاز إبقاؤه وتعين فسخه وما ذكروه غير صحيح فإن الفسخ يثبت حكمه من حينه غير سابق عليه, وما وقع على صفة يستحيل أن يكون واقعا على غيرها وكذلك لو فسخ البيع بعيب لم يصر العقد فاسدا ولا يكون النماء لغير المشتري, ولو كان المبيع أمة فوطئها لم يجب به مهرها, فكذلك النكاح. إذا علم بالعيب وقت العقد أو بعده ثم وجد منه رضا أو دلالة عليه, كالدخول بالمرأة أو تمكينها إياه من الوطء لم يثبت له الفسخ لأنه رضي بإسقاط حقه فسقط, كما لو علم المشترى بالعيب فرضيه وإذا اختلفا في العلم فالقول قول من ينكره لأن الأصل عدمه. أنه يرجع بالمهر على من غره وقال أبو بكر: فيه روايتان إحداهما يرجع به والأخرى: لا يرجع والصحيح أن المذهب رواية واحدة, وأنه يرجع به فإن أحمد قال: كنت أذهب إلى قول على فهبته فملت إلى قول عمر: إذا تزوجها فرأى جذاما أو برصا, فإن لها المهر بمسيسه إياها ووليها ضامن للصداق وهذا يدل على أنه رجع إلى هذا القول وبه قال الزهري, وقتادة ومالك والشافعي في القديم وروي عن على أنه قال: لا يرجع وبه قال أبو حنيفة, والشافعي في الجديد لأنه ضمن ما استوفى بدله وهو الوطء فلا يرجع به على غيره, كما لو كان المبيع معيبا فأكله ولنا ما روى مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب, قال قال: عمر بن الخطاب: أيما رجل تزوج بامرأة بها جنون أو جذام أو برص فمسها فلها صداقها, وذلك لزوجها غرم على وليها ولأنه غره في النكاح بما يثبت الخيار فكان المهر عليه كما لو غره بحرية أمة وإذا ثبت هذا, فإن كان الولي علم غرم وإن لم يكن علم فالتغرير من المرأة فيرجع عليها بجميع الصداق وإن اختلفوا في علم الولي, فشهدت بينة عليه بالإقرار بالعلم وإلا فالقول قوله مع يمينه قال الزهري وقتادة: إن علم الولي غرم, وإلا استحلف بالله العظيم أنه ما علم ثم هو على الزوج وقال القاضي: إن كان أبا أو جدا, أو ممن يجوز له أن يراها فالتغرير من جهته علم أو لم يعلم وإن كان ممن لا يجوز له أن يراها, كابن العم والمولى وعلم غرم, وإن أنكر ولم تقم بينة بإقراره فالقول قوله, ويرجع على المرأة بجميع الصداق وهذا قول مالك إلا أنه قال: إذا ردت المرأة ما أخذت ترك لها قدر ما تستحل به لئلا تصير كالموهوبة وللشافعي قولان, كقول مالك والقاضي ولنا على أن الولي إذا لم يعلم لا يغرم أن التغرير من غيره, فلم يغرم كما لو كان ابن عم وعلى أنه يرجع بكل الصداق أنه مغرور منها, فرجع بكل الصداق كما لو غره الولي وقولهم: لا يخفى على من يراها لا يصح فإن عيوب الفرج لا اطلاع له عليها ولا يحل له رؤيتها, وكذلك العيوب تحت الثياب فصار في هذا كمن لا يراها إلا في الجنون, فإنه لا يكاد يخفى على من يراها إلا أن يكون غائبا وأما الرجوع بالمهر فإنه لسبب آخر, فيكون بمنزلة ما لو وهبته إياه بخلاف الموهوبة. إذا طلقها قبل الدخول ثم علم أنه كان بها عيب, فعليه نصف الصداق ولا يرجع به لأنه رضي بالتزام نصف الصداق فلم يرجع على أحد وإن ماتت أو مات قبل العلم بالعيب, فلها الصداق كاملا ولا يرجع على أحد لأن سبب الرجوع الفسخ ولم يوجد, وهاهنا استقر الصداق بالموت فلا يرجع به. قال: ولا سكنى لها ولا نفقة لأن السكنى والنفقة إنما تجب لمرأة لزوجها عليها الرجعة وإنما كان كذلك لأنها تبين بالفسخ, كما تبين بطلاق ثلاث ولا يستحق زوجها عليها رجعة فلم تجب لها سكنى ولا نفقة لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لفاطمة بنت قيس: (( إنما السكنى والنفقة للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة )) رواه النسائي وهذا إذا كانت حائلا, فإن كانت حاملا فلها النفقة لأنها بائن من نكاح صحيح في حال حملها فكانت لها النفقة كالمطلقة ثلاثا والمختلعة وفي السكنى روايتان وقال القاضي: لا نفقة لها إن كانت حاملا, في أحد الوجهين لأنها بائن من نكاح فاسد وكذلك قال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين وفي الآخر: لها النفقة لأن النفقة للحمل, والحمل لاحق به وبنوه على أن النكاح فاسد وقد بينا صحته فيما مضى.
وليس لولي الصغيرة والصغير وسيد الأمة تزويجهم ممن به أحد هذه العيوب لأنه ناظر لهم بما فيه الحظ, ولا حظ لهم في هذا العقد فإن زوجهم مع العلم بالعيب لم يصح النكاح لأنه عقد لهم عقدا لا يجوز عقده فلم يصح, كما لو باع عقاره لغير غبطة ولا حاجة وإن لم يعلم بالعيب صح كما لو اشترى لهم معيبا لا يعلم عيبه, ويجب عليه الفسخ إذا علم لأن عليه النظر لهم بما فيه الحظ والحظ في الفسخ ويحتمل أن لا يصح النكاح لأنه زوجهم ممن لا يملك تزويجهم إياه فلم يصح, كما لو زوجهم ممن يحرم عليهم. وليس له تزويج كبيرة بمعيب بغير رضاها بغير خلاف نعلمه لأنها تملك الفسخ إذا علمت به بعد العقد فالامتناع أولى وإن أرادت أن تتزوج معيبا فله منعها, في أحد الوجهين قال أحمد ما يعجبني أن يزوجها بعنين وإن رضيت الساعة تكرهه إذا دخلت عليه لأن من شأنهن النكاح ويعجبهن من ذلك ما يعجبنا وذلك لأن الضرر في هذا دائم, والرضى غير موثوق بدوامه ولا يتمكن من التخلص إذا كانت عالمة في ابتداء العقد وربما أفضى إلى الشقاق والعداوة, فيتضرر وليها وأهلها فملك الولي منعها كما لو أرادت نكاح من ليس بكفء والثاني, ليس له منعها لأن الحق لها وقال القاضي: له منعها من نكاح المجنون وليس له منعها من نكاح المجبوب والعنين لأن ضررهما عليها خاصة وفي الأبرص والمجذوم وجهان أحدهما لا يملك منعها لأن الحق لها, والضرر عليها فأشبها المجبوب والعنين والثاني له منعها لأن عليه ضررا منه, فإنه يعير به ويخشى تعديه إلى الولد فأشبه التزويج بمن لا يكافئها وهذا مذهب الشافعي والأولى أن له منعها في جميع الصور لأن عليها فيه ضررا دائما, وعارا عليها وعلى أهلها فملك منعها منه كالتزويج بغير كفء فأما إن اتفقا على ذلك, ورضيا به جاز وصح النكاح لأن الحق لهما, ولا يخرج عنهما ويكره لهما ذلك لما ذكره الإمام أبو عبد الله من أنها وإن رضيت الآن تكرهه فيما بعد ويحتمل أن يملك سائر الأولياء الاعتراض عليها ومنعها من هذا التزويج لأن العار يلحقهم, وينالهم الضرر فأشبه ما لو زوجها بغير كفء فأما إن حدث العيب بالزوج ورضيته المرأة, لم يملك وليها إجبارها على الفسخ لأن حقه في ابتداء العقد لا في دوامه ولهذا لو دعت وليها إلى تزويجها بعبد لم يلزمه إجابتها ولو عتقت تحت عبد, لم يملك إجبارها على الفسخ. قال: وإذا عتقت الأمة وزوجها عبد فلها الخيار في فسخ النكاح أجمع أهل العلم على هذا, ذكره ابن المنذر وابن عبد البر وغيرهما والأصل فيه خبر بريرة, قالت عائشة: (( كاتبت بريرة فخيرها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في زوجها وكان عبدا, فاختارت نفسها )) قال عروة: ولو كان حراما ما خيرها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رواه مالك في " الموطأ " وأبو داود, والنسائي ولأن عليها ضررا في كونها حرة تحت عبد فكان لها الخيار كما لو تزوج حرة على أنه حر, فبان عبدا فإن اختارت الفسخ فلها فراقه وإن رضيت المقام معه لم يكن لها فراقه بعد ذلك لأنها أسقطت حقها وهذا مما لا خلاف فيه بحمد الله تعالى. وإن عتقت تحت حر, فلا خيار لها وهذا قول ابن عمر وابن عباس وسعيد بن المسيب, والحسن وعطاء وسليمان بن يسار, وأبي قلابة وابن أبي ليلى ومالك والأوزاعي, والشافعي وإسحاق وقال طاوس وابن سيرين, ومجاهد والنخعي وحماد بن أبي سليمان, والثوري وأصحاب الرأي: لها الخيار لما روى الأسود عن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- (( خير بريرة, وكان زوجها حرا )) رواه النسائي ولأنها كملت بالحرية فكان لها الخيار كما لو كان زوجها عبدا ولنا, أنها كافأت زوجها في الكمال فلم يثبت لها الخيار كما لو أسلمت الكتابية تحت مسلم فأما خبر الأسود عن عائشة, فقد روي عنها القاسم بن محمد وعروة أن زوج بريرة كان عبدا وهما أخص بها من الأسود لأنهما ابن أخيها وابن أختها وقد روى الأعمش عن إبراهيم, عن الأسود عن عائشة أن زوج بريرة كان عبدا فتعارضت روايتاه وقال ابن عباس: كان زوج بريرة عبدا أسود لبني المغيرة, يقال له: مغيث رواه البخاري وغيره وقالت صفية بنت أبي عبيد: كان زوج بريرة عبدا أسود قال أحمد هذا ابن عباس وعائشة قالا في زوج بريرة: إنه عبد رواية علماء المدينة وعملهم وإذا روى أهل المدينة حديثا وعملوا به, فهو أصح شيء وإنما يصح أنه حر عن الأسود وحده فأما غيره فليس بذاك قال: والعقد صحيح, فلا يفسخ بالمختلف فيه والحر فيه اختلاف والعبد لا اختلاف فيه, ويخالف الحر العبد لأن العبد ناقص فإذا كملت تحته تضررت ببقائها عنده بخلاف الحر. وفرقة الخيار فسخ, لا ينقص بها عدد الطلاق نص عليه أحمد ولا أعلم فيه خلافا قيل لأحمد: لم لا يكون طلاقا؟ قال: لأن الطلاق ما تكلم به الرجل ولأنها فرقة لاختيار المرأة فكانت فسخا كالفسخ لعنته أو عتهه. فإن أعتق العبد والأمة دفعة واحدة, فلا خيار لها والنكاح بحاله سواء أعتقهما رجل واحد أو رجلان نص عليه أحمد وعنه: لها الخيار والأول أولى لأن الحرية الطارئة بعد عتقها تمنع الفسخ, فالمقارنة أولى كإسلام الزوجين وعن أحمد: إن عتقا معا انفسخ النكاح ومعناه - والله أعلم - أنه إذا وهب لعبده سرية وأذن له في التسري بها, ثم أعتقهما جميعا صارا حرين وخرجت عن ملك العبد, فلم يكن له إصابتها إلا بنكاح جديد هكذا روى جماعة من أصحابه في من وهب لعبده سرية أو اشترى له سرية, ثم أعتقهما لا يقربها إلا بنكاح جديد واحتج أحمد على ذلك بما روى نافع, عن ابن عمر أن عبدا له كان له سريتان فأعتقهما وأعتقه, فنهاه أن يقربهما إلا بنكاح جديد ولأنها بإعتاقها خرجت عن أن تكون مملوكة فلم يبح له التسري بها كالحرة الأصلية وأما إذا كانت امرأته, فعتقا لم ينفسخ نكاحه بذلك لأنه إذا لم ينفسخ بإعتاقها وحدها فلأن لا ينفسخ بإعتاقهما معا أولى ويحتمل أن أحمد إنما أراد بقوله: انفسخ نكاحهما أن لها فسخ النكاح وهذا تخريج على الرواية التي تقول بأن لها الفسخ إذا كان زوجها حرا قبل العتق. ويستحب لمن له عبد وأمة متزوجان فأراد عتقهما, البداية بالرجل لئلا يثبت للمرأة خيار عليه فيفسخ نكاحه وقد روى أبو داود والأثرم بإسنادهما عن عائشة, أنه (( كان لها غلام وجارية فتزوجا فقالت للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إني أريد أن أعتقهما فقال لها: فابدئى بالرجل قبل المرأة )) وعن صفية بنت أبي عبيد, أنها فعلت ذلك وقالت للرجل: إني بدأت بعتقك لئلا يكون لها عليك خيار. إذا عتقت المجنونة والصغيرة فلا خيار لهما في الحال لأنه لا عقل لهما, ولا قول معتبر ولا يملك وليهما الاختيار عنهما لأن هذا طريقه الشهوة فلا يدخل تحت الولاية كالاقتصاص فإذا بلغت الصغيرة, وعقلت المجنونة فلهما الخيار حينئذ لكونهما صارتا على صفة لكل منهما حكم وهذا الحكم فيما لو كان بزوجيهما عيب يوجب الفسخ, فإن كان زوجاهما قد وطئاهما فظاهر كلام الخرقي أنه لا خيار لهما لأن مدة الخيار انقضت وعلى قول القاضي وأصحابه: لهما الخيار لأنه لا رأى لهما, فلا يكون تمكينهما من الوطء دليلا على الرضى بخلاف الكبيرة العاقلة ولا يمنع زوجاهما من وطئهما.
قال: فإن كانت لنفسين, فأعتق أحدهما فلا خيار لها إذا كان المعتق معسرا إنما شرط الإعسار في المعتق لأن الموسر يسرى عتقه إلى جميعها, فتصير حرة ويثبت لها الخيار والمعسر لا يسرى عتقه, بل يعتق منها ما أعتق وباقيها رقيق فلا تكمل حريتها, فلا يثبت لها الخيار حينئذ وهذا قول الشافعي وعن أحمد أن لها الخيار حكاها أبو بكر واختارها لأنها أكمل منه, فإنها ترث وتورث وتحجب بقدر ما فيها من الحرية ووجه قول الخرقي, أنه لا نص في المعتق بعضها ولا هي في معنى الحرة الكاملة لأنها كاملة الأحكام وأيضا ما علل به أحمد وهو أن العقد صحيح, فلا يفسخ بالمختلف فيه وهذه مختلف فيها.
|